الحياة الدنيا مليئة بالمصاعب والمتاعب، لكن اللجوء إلى الله -تعالى- والتضرع إليه سبب في تحويل النقم إلى نعم، والمحن إلى منح، والتعاسة إلى سعادة، ولقد صور الله -تعالى- في القرآن الكريم حال بعض الناس كالذين يكونون في السفينة مطمئنين، ثم عند إشتداد الريح وتعالي الأمواج وتساقط الأمطار ينقلب حالهم من الطمأنينة إلى الخوف والهلع، فعندئذٍ يدركون أنّ لا ملجأ لهم إلا الله تعالى، فيتضرعون إليه بتذلل وخشوع، فينجيهم الله -تعالى- برحمته، ويبدل الحزن إلى فرح، والخوف إلى أمن، وذلك بسبب توبتهم ورجوعهم إلى الله تعالى، ثم بعد ذلك يعودون إلى المعاصي والذنوب، وهذه الصورة تتمثل في قوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[٤]، فهذا حال الكثير من الناس حيث يلجأ إلى الله -تعالى- في الشدائد والمحن ثم إذا شعر بالأمان عاد إلى معاصيه، وقد يستائل البعض عن كيف نتضرع إلى الله في وقت الشدة، ولقد كان من هدي النبي -صلّى الله عليه وسلّم- التوجه إلى الله -تعالى- بالدعاء في جميع أحواله، فعلى العبد أنّ يكون دائم التضرع إلى الله -تعالى- في الشدة والرخاء، والعسر واليسر، فلقد رويَ عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال لفاطمة: “ما يمنعُكِ أن تسمَعي ما أُوصيكِ به؟ أن تقولي إذا أصبحْتِ وإذا أمسَيتِ: يا حيُّ يا قيُّومُ برحمتِك أستغيثُ، أَصلِحْ لي شأني كلَّه، ولا تَكِلْني إلى نفسي طرفةَ عَيْنٍ”[٥][٦]
ضرورة التضرع إلى الله بعد الحديث عن كيف نتضرع إلى الله وقت الشدة، لا بُدّ من الحديث عن ضرورة التضرع إلى الله تعالى، فالمؤمن دائم التضرع واللجوء إليه سبحانه، ومن أعظم أسباب دفع الكربات التضرع إلى الله تعالى، فقد قال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}[٧]، فقد يغفل البعض عن التضرع إلى الله -تعالى- بالرخاء، فينزل سبحانه عليهم البأساء والضراء لعلهم يتضرعوا، ولقد أنزل الله -تعالى- العذاب على الأمم السابقة عند عدم تضرعهم وخضوعهم إليه، فقد قال سبحانه: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ * حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}[٨]، ولقد كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يتضرع إلى الله -تعالى- في جميع أحواله، فلقد كان يتضرع في صلاة الاستسقاء، وعند رمي الحجار في الحج، وفي جهاده على الكفار، فقد قال الله -تعالى- عن غزوة بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}[٩]، ولقد كان من دعائه عند الكرب ما ورد عن عبدالله بن العباس رضي الله عنه، حيث قال: “أنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كانَ يقولُ عِنْدَ الكَرْبِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ”[١٠].[١١]